التكامل للاستشارات : المشاريع الصغيرة و المتوسطة و اعادة أعمالها بعد جائحة كوفيد-19

المشاريع الصغيرة و المتوسطة و عودة أعمالها بعد جائحة كوفيد -19

*دراسة خاصة أعداد فريق التكامل للاستشارات*


  • المقدمة 

عند انتشار فيروس كورونا لجأت الدول إلى أخذ الاحتياطات اللازمة للحد من انتشاره فتجمدت الاعمال واوقفت المنشآت التجارية نشاطها ولزم مديرو الاعمال والعمال والموظفون منازلهم وكان نصيب المنشآت الصغيرة والمتوسطة من الإغلاق كبيرا وكان مستوى الضرر الذي اصابها كبيرا ايضا نظرا لضعف امكانياتها المالية وضعف بنيتها الاقتصادية.

وتعد المنشآت المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر صمام الأمان وخط الدفاع الأول عن اقتصاديات كافة الدول والمجتمعات ، والداعم الأول لسوق العمل، فهي توفر نحو 60 % من وظائف القطاع الخاص، وتعمل على تأمين 55 % من احتياج المجتمعات من المستلزمات الضرورية.

 وعلى الرغم من أهمية هذه المشاريع و الشركات إلا أنها تعد أول المتأثرين بالأزمات الاقتصادية، ما دفع دولاً عدة  إلى اتخاذ حزمة من القرارات الداعمة لها بهدف الحفاظ عليها والتخفيف من آثار الازمة عليها وعلى أعمالها.

 

  • انتشار وواقع ومستقبل جائحة كورونا 

لكي نعرف عمق التأثير الذي تركه فيروس كورونا على النشاط الاقتصادي وبالتالي على نشاط المنشآت الصغيرة والمتوسطة لا بد أن نعرف طبيعة هذا الفيروس وكيف ينتشر وما هي دينامياته من جهة  والجهود المبذولة لمحاصرته والحد من تأثيره و الجهود المحمومة على مستوى العالم لايجاد لقاح يقضي على تأثيره تماما من جهة اخرى. كما لا بد ان نعرف المدة المتوقعة اللازمة لاكتشاف هذا اللقاح بعد أن يمر بالتجارب السريرية اللازمة وقبل أن يوضع قيد الاستخدام على نطاق واسع.

أن كورونا كما اثبتت احدث التجارب هو فيروس يحتاج الى اكتشاف لقاح يلغي مفعوله وليس بكتيريا يمكن معالجته بالمضادات الحيوية ،لكن من الممكن استخدام الادوية للحد من تفاقمه وعلاج المضاعفات الصحية الاخرى التي يتسبب بها، وخاصة للمسنين الذين يعانون من امراض مزمنة كأمراض القلب والسكري والسرطان. 


كيف ينتشر فيروس كورونا

وحتى نستطيع اتخاذ اجراءات مفيدة لمكافحة الفيروس لا بد ان نعرف كيف ينتشر، إذ يمكن أن يلتقط الأشخاص عدوى كوفيد-19-كما أطلق عليه- من أشخاص آخرين مصابين بالفيروس. وينتشر المرض بشكل أساسي من شخص إلى اخر عن طريق القُطيرات الصغيرة التي يفرزها الشخص المصاب من أنفه أو فمه عندما يسعل أو يعطس أو يتكلم عن قرب ، لذلك من المهم  وضع الكمامات على الفم والانف والحفاظ على مسافة متر واحد على الأقل (3 أقدام) من الآخرين. وقد تحط هذه القطيرات على الأشياء والأسطح المحيطة بالشخص، مثل الطاولات ومقابض الأبواب ودرابزين السلالم، ويمكن حينها أن يصاب الناس بالعدوى عند ملامستهم هذه الأشياء أو الأسطح ثم لمس أعينهم أو أنفهم أو فمهم. وقد أظهرت الدراسات أن بمقدور الفيروس المسبب لكوفيد-19 أن يبقى على البلاستيك والفولاذ المقاوم للصدأ لمدة 72 ساعة وعلى النحاس أقل من 4 ساعات وعلى الورق المقوّى (الكرتون) أقل من 24 ساعة، لذلك من المهم المواظبة على غسل اليدين بالماء والصابون أو تنظيفهما بمطهر كحولي لفرك اليدين.


العزل الذاتي والحجر الصحي

وتشير بعض التقارير إلى أن الفيروس يمكن أن ينتقل حتى من الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أي أعراض. وليس معروفاً حتى الآن مدى انتقال العدوى بهذه الطريقة، وقد يضطر الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض كوفيد-19 لتجنب نقل العدوى للآخرين في المجتمع، بمن في ذلك أفراد عائلتهم، القيام بالعزل الذاتي.

والمقصود بالعزل الذاتي هو عندما يلزم الشخص المصاب بالحمى أو السعال أو غير ذلك من أعراض مرض كوفيد-19  بيته ،ويمتنع عن الذهاب إلى العمل أو المدرسة أو الأماكن العامة. وهذا العزل يمكن أن يحدث بشكل طوعي أو يستند إلى توصية من الهيئات الصحية،وعادة ما يكون العزل بغرفة منفصلة واسعة وجيدة التهوئة مزودة بمرحاض ولوازم تنظيف اليد و إذا لم تتوفر غرفة منفصلة يجب المباعدة بين أسرّة النوم مسافة متر واحد على الأقل.

اما اذا كنت من الاشخاص الذين خالطوا شخصاً مصاباً بعدوى كوفيد-19، رغم عدم ظهور أي أعراض، عليك بالحجر الصحي الذاتي، وينبغي أن تراقب نفسك لرصد أي أعراض قد تظهر عليك أثناء الحجر الصحي. والهدف من الحجر الصحي الذاتي هو منع انتقال العدوى، فالأشخاص الذين يصابون بالمرض يمكنهم نقل العدوى إلى الآخرين فوراً، لذلك من شأن الحجر الصحي أن يمنع انتقال العدوى،

وفي حالة الحجر الصحي عليك  القيام بنفس اجراءات العزل الذاتي المذكور انفا. 


اللقاح ومدة استمرار الفيروس

الى الان وحتى تاريخ كتابة هذه الكلمات لا يوجد لقاح أو دواء محدد مضاد للفيروسات للوقاية من مرض كوفيد-2019 أو علاجه. غير أن الأشخاص المصابين بحالة وخيمة قد يحتاجون إلى دخول المستشفى لتلقي العلاج المنقذ للحياة من مضاعفات المرض ، ويتعافى معظم المرضى بفضل الرعاية .

ويجري حالياً تحري اللقاحات المحتملة وبعض الأدوية المحددة لعلاج هذا المرض، حيث يجري اختبارها عن طريق التجارب السريرية ، وتتولى منظمة  الصحة العالمية تنسيق الجهود الرامية إلى تطوير اللقاحات والأدوية للوقاية من الفيروس وعلاجه.

ولا يتوقع الخبراء إيجاد لقاح لكوفيد -19 قبل نهاية عام 2020 على أقل تقدير وذلك لصعوبة تركيب هذا الفيروس الذي يتحول من حالة الى اخرى، والحاجة إلى إجراء التجارب المتعددة على الحيوانات فضلا عن التجارب السريرية، قبل أن يوضع موضع التداول التجاري، ويحتاج الى وقت اضافي بين اكتشاف اللقاح وتداوله في شتى أنحاء العالم.


خطر كورونا على الاقتصاد

مما تقدم نستطيع أن نستنتج مدى تأثير كورونا على العمل داخل المنشآت الصغيرة والمتوسطة لأن العمل يحتاج الى المخالطة الخطرة على العاملين ، المعرضين بدورهم بشكل جدي للاصابة بالعدوى لذلك فرض انتشار فيروس كورونا عليهم التزام منازلهم، واعلن في معظم بلاد العالم فرض اجراءات السلطات الحكومية التي بموجبها تقييد حركة المواطنين وقصرها على الضروريات، مما ادى الى شلل القطاعات الاقتصادية وإيقاف دورة الانتاج في المصانع وتوقف الخدمات ومعظم الأعمال التجارية، الأمر الذي  ادى بدوره الى صرف عشرات الآلاف من العمال و الموظفين على مستوى البلد الواحد والملايين على مستوى الكرة الأرضية والعالم، نظرا للمدة الطويلة التي يحتاجها العلماء والأطباء المختصين لإكتشاف لقاح لهذا الفيروس فإن استمرار توقف الاعمال ينذر بوقوع كوارث اقتصادية تدفع المجتمعات إلى الرزوح طويلا تحت وطأة مخاطر الانكماش الاقتصادي و نتائجه.

وأفادت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة  في 8 نيسان 2020 انه بسبب جائحة كورونا سيخسر العالم ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل منها 5 ملايين في الدول العربية.

هذا الواقع أفرز سؤالا كبيرا  تفرضه الحاجة الملحة لإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية وهو إلى أي مدى تستطيع أي دولة بقطاعها العام ومؤسسات القطاع الخاص والمنشآت المتوسطة والصغيرة فيها على وجه اخص تجميد أو وقف نشاطها في ظل جائحة كورونا؟

لكي نجيب على هذا السؤال المركزي لا بد أن نلقي الضوء على مدى تأثير كوفيد-19 على المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المراحل الاولى من انتشار الفيروس ونلقي الضوء على وضع هذه المنشأت حاليا بعد مرور 4 أشهر من بداية انتشار الفيروس.


  • تأثير جائحة كورونا على المنشآت الصغيرة والمتوسطة 

لا شك أن المرحلة الاولى من انتشار الفيروس وهي المرحلة التي امتدت من شهر يناير 2020 الى النصف الاول من شهر مايو 2020 كانت مرحلة الصدمة التي فاجأت العالم الذي وجد نفسه أمام عدو مجهول الهوية ،فكان من الطبيعي أن تلجأ معظم الدول والحكومات إلى إجراء فورية احترازية تتسم بالصرامة تؤدي الى الاغلاق و تقييد الاعمال خوفا من انتشار الفيروس.

تتعرض المنشآت الصغيرة والمتوسطة في ظل جائحة كورونا احتمالات كبيرة من تدني التسهيلات الائتمانية وأن جل هذه المؤسسات يعمل في قطاع الخدمات الذي يعد أكبر المتضررين من تدابير الاحتواء والتباعد الاجتماعي. مقارنة بالشركات الكبيرة، لا تملك الشركات الصغيرة إلا هوامش أمان نقدية ضعيفة، وهي أكثر استخداما للرفع المالي واللجوء الى الاقتراض، وتعتمد في الأساس على القروض قصيرة الأجل والأرباح المحتجزة. وإزاء هذه "الأزمة منقطعة النظير" تواجه مؤسسات الأعمال الصغيرة نقصا حادا في التدفق النقدي مع القليل من خيارات التمويل. وينبغي أن تبادر البنوك بجهد كبير لتوفير راسمال تشغيلي لهذه المنشآت وتشجيع عمليات تجديد القروض مع تسهيلات بالدفع وتساهل بالضمانات ، ولكن البنوك تواجه ضغوطها الخاصة أيضا و التي ستزيد من تعقيد هذه العمليات.

وتشير بعض الاحصاءات إلى أن مؤسسات الأعمال الصغيرة، باعتبارها أكبر جهات التوظيف في الاقتصاديات المتقدمة، قد تكون تدفقاتها النقدية الباقية قد شارفت على النضوب، مما يستحضر شبح موجة من التوقف عن السداد وطفرة في البطالة.

 

تدخل الحكومات لإيجاد الحلول

لذلك أسرعت أغلبية الدول في أعقاب تفشي الوباء المستجد، إلى التدخل من أجل حماية ما أمكن لها من المؤسسات والشركات، بكل أحجامها الكبيرة والصغيرة والمتوسطة. فبرغم حرص الحكومات عادة على إنقاذ المؤسسات الكبرى التي تمثل رموزا اقتصادية محلية وعالمية، إلا أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تلقت الضربة الأكبر في الواقع من جراء الوباء المشار إليه، على صعيد أعمالها وحراكها، ومستقبل العاملين فيها لا تقل اهمية عن المنشآت الكبرى وهي اولى بالرعاية والدعم لانها لان هذا النوع من المؤسسات لا يقوى عادة على الاستمرار لفترة طويلة تحت ضغوط أزمة اقتصادية،

و الأمر ذاته يسري على المنشآت الكبيرة التي لن تستطيع الاستمرار طويلا إذا ما انهارت المنشآت المتوسطة والصغيرة، وهذا ما بدا واضحا في كل الأزمات الكبرى التي شهدها العالم في السابق.
الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا، وضعت شركات صغيرة ومتوسطة عديدة في دائرة خطر الانهيار التام بالفعل، حتى بعد تدخل الحكومات بحزم إنقاذ متعددة، بما في ذلك تسديد جزء كبير من رواتب الموظفين في الشركات المذكورة. وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أظهر مسح لـ"جمعية الموارد البشرية" أن 52 في المائة من الشركات تتوقع الخروج من السوق في غضون ستة أشهر. وهذه نسبة ليس مبالغا فيها، نظرا لتوقف كامل أعمال هذه الشركات، في حين أن خطوط إنتاج بعضها لن يكون صالحا حتى بعد الانتهاء بصورة كاملة من جائحة كورونا الضاربة.

وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية عروضا من شركات صغيرة ومتوسطة لبيع كياناتها بقيم مالية بسيطة. وكلما استمرت أثار أزمة فيروس كورونا، سنشهد بالتأكيد مزيدا من حالات الإفلاس لهذه الشركات. كما أن شركة بن سري وهي شركة استشارات كويتية مستقلة متخصصة بالإعلام والتواصل المؤسسي ومقرها الكويت كانت قد قدمت دراسة تحليلية متكاملة حول تأثر الشركات الكويتية بكوفيد-19.

ذكرت  صحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية في مقال لها ، إن دراسة أجرتها غرفة تجارة دبي، في الفترة من 16 إلى 22 أبريل الماضي، أكدت أن 70% من الشركات العاملة في الإمارة تتوقع أن تغلق أبوابها خلال الأشهر الستة المقبلة.

استطلعت الدراسة رأي 12 ألفاً و228 من الرؤساء التنفيذيين للشركات في مختلف القطاعات، نحو ثلاثة أرباعها من الشركات الصغيرة التي يعمل بها أقل من 20 موظفاً.

وتوقع 27٪ ممن شملتهم الدراسة الخروج من العمل في الشهر المقبل، في حين قال 43٪ من أصحاب الأعمال إنهم يخشون نفس النتيجة في غضون الشهور الستة المقبلة.

ومع ذلك أعربت الشركات الكبرى التي لديها أكثر من 100 موظف عن مخاوفها؛ حيث توقعت 19٪ من الشركات الكبرى إغلاقها في الشهر المقبل، و27٪ خلال الأشهر الستة المقبلة.

ووجدت الدراسة أن الشركات المعرضة لعمليات الإغلاق العالمية كانت قلقة بشكل خاص.

وقال نحو ثلاثة أرباع شركات السفر والسياحة إنها تتوقع الخروج من العمل خلال شهر، إلى جانب ما يقرب من نصف الفنادق والمطاعم التي شملها الاستطلاع، و30٪ من شركات العقارات والخدمات اللوجستية.
وتعتمد دبي، التي تتمتع بواحد من أكثر الاقتصادات تنوعاً في دول الخليج ، على قطاعات مثل الضيافة والسياحة والترفيه والخدمات اللوجستية والعقارات والتجزئة و تعتبر أكبر اقتصاد خليجي لا تساهم فيه صناعة و بيع النفط  بين دول المنطقة.

ان اجراءات تقييد الأعمال العامة التي فرضتها السلطات الحكومية للحد من انتشار العدوى أدت الى ركود اقتصادي حاد وانكماش في كافة القطاعات الاقتصادية في الوقت الذي لا تستطيع الدول الاستمرار في ظل هذا الركود خصوصا الدول التي تعاني ضعفا في بنيتها الاقتصادية فضلا عن الدول ذات الاقتصادات المتوسطة والكبيرة .

 

 

  

حزم التيسير المالي لمواجهة جائحة كورونا:

الحكومات تواجه مهمة شاقة في دعم و مساعدة المنشآت المتوسطة والصغيرة على النهوض من جديد خاصة و ان هذه المشاريع تعتبر العصب الأساسي الدافع لعجلة العمل الاقتصادي في أي بلد و لذلك لابد من القيام بالخطوات التالية على صعيد الدعم النقدي والمالي:

  • توفير مزايا تشجيعية لاستمرار الأعمال في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.

  • اعادة جدولة وتخفيف الرسوم الحكومية الشهرية و السنوية و التنظيمية ليتسنى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة اعادة توجيه السيولة النقدية  اللازمة للاستمرار في العمل وتخفيف ضغط المصاريف الشديد في ظل غياب أو نقص الايرادات.

  • قيام البنك المركزي بالتعاون مع البنوك التجارية باعادة جدولة القروض وتقديم مختلف التسهيلات المصرفية لمساعدة هذه المؤسسات على الاستمرار و التقليل من شح السيولة المتوقع.

  • تأسيس ادوات تمويلية تهدف الى دعم المنشآت المتوسطة والصغيرة بقروض إنقاذ  طويلة الأجل يمد المنشآت المتعثرة بشريان حياة لازم وضروري لاعادة احيائها من جديد.

  • توجيه و تشجيع شركات التجزئة التقليدية على استخدام منصات التجارة الالكترونية مع فرض كافة البروتوكولات الصحية المطلوبة على خدمات الشحن و التوصيل.

  • دعم سلاسل التوريد والإمداد التي تتعامل معها شركات القطاع الخاص في تأمين احتياجات الأسواق المحلية من السلع والخدمات لضمان تقليل الاختلالات الناجمة عن تفشي الوباء عالميا.

  • تقديم التوصيات الخاصة بالعمل على توسيع رقعة الفئات المشمولة بالدعم في القطاع الخاص كأصحاب المهن اليومية من مزارعين وصيادين وبائعي الأسماك والخضروات والفواكه وأصحاب المهن الحرة.

  • على الشركات وأصحاب الأعمال إعداد استراتيجية لضبط الإنفاق والمصاريف لفترات متوسطة و طويلة مع الأخذ بالاعتبار امكانية استمرار نقص العوائد و تغير مزاج المستهلك نحو الادخار خلال الفترات القادمة.

  • تساهم الحكومات ممثلة في وزارات الصحة ومختلف المراكز والعيادات الصحية في نشر الوعي الصحي و فرض الإجراءات الاحترازية كالتباعد الاجتماعي وغيرها من البروتوكولات اللازمة لضمان سير الأعمال اليومية.



استيعاب الصدمة و تنظيم عودة الأعمال:

إذ نحن ابتداءا من منتصف مايو 2020 بدأنا مرحلة رمادية وهي مرحلة استيعاب الصدمة بعد معرفة الكثير عن الفيروس ودينامياته، وبالتالي هي مرحلة التكيف والتعايش مع وجود الفيروس واستمرار سريان العدوى، وهي مرحلة اعادة التموضع والتفكير بكيفية استئناف النشاط الاقتصادي والاجتماعي وخاصة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي لا تحتمل كثيرا تجميد العمل فيها، لكن الوباء ما زال ينتشر والعدوى بين الناس مستمرة ومسألة إيجاد لقاح مضاد للفيروس تحتاج الى وقت طويل .

و من أجل عودة الأعمال يجب أن يتم تنظيم الأمور وتنسيقها بشكل لا تؤدي تلك العودة الاضطرارية الى تفاقم انتشار الوباء وإذا كان لا بد من الجمع بين الاثنين فنعتقد أن يتم الأمر تحت الشروط التالية:

  • اعتماد العمل عن بعد في الأمور الممكن إنجازها دون الاضطرار للتواجد في مكان العمل.

  • اعتماد مبدأ خدمات التوصيل قدر الأمكان في ايصال المطلوبات الى الزبائن.

  • اعتماد الدوام الجزئي لبعض العاملين الذين يمكن استبدالهم.

  • اعتماد الدوام الدوري للعاملين الذين لا يمكن استبدالهم.

  • فرض وضع الكمامات على كل العاملين و الزبائن و المراجعين.

  • فرض التباعد اقله متر واحد بين العاملين المتواجدين.

  • توفير وسائل ومستحضرات التعقيم.

  • تركيب حواجز زجاجية بين العاملين ومرتادي مكان العمل.

 


تطور تقنيات التباعد الاجتماعي في مؤسسات العمل:

ان اعتماد مبدأ التباعد سيؤدي الى ابتكار واختراع واستخدام كافة التقنيات التي تراعي عدم التقارب بين المرتادين على المؤسسات وبين العاملين.

إن أهم ما طبع المرحلة الاولى هو توقف المؤسسات عن العمل في أمكنة العمل والانتقال بدلا من ذلك الى العمل من داخل المنازل عن بعد وساعد في ذلك تطور وسائل الاتصال وتعددها ومرونتها وسهولة استخدامها.

ومن الملفت في هذا المجال ما ذكره مالك موقع فيسبوك مارك زوكربيرغ، خلال مؤتمر موجه إلى موظفي شبكة التواصل الاجتماعي الأكبر في العالم، من إن نصف العاملين فيها سيتمكنون من العمل من منازلهم بشكل دائم، وأكد رئيس الشبكة أن فيسبوك "ستكون أكثر شركات العالم تقدماً على صعيد العمل عن بعد وبرأيه أن كوفيد-19 لن يختفي قبل فترة طويلة"، عارضاً خطته لتنظيم العمل في الشركة خلال تلك الفترة مستعرضا لبعض إيجابيات العمل عن بعد ، التي من أهمها  مساواة أكبر في الفرص على صعيد المسيرة المهنية، وعمليات توظيف أكثر تنوعاً على الصعيد الجغرافي وأن العمل عن بعد أكثر اقتصاداً في الإنفاق على المنشآت والأجور، والاحتفاظ بموظفين يضطرون أحياناً إلى تغيير مكان إقامتهم لأسباب شخصية.

وتجدر الإشارة إلى أن شبكة فيسبوك التي يعمل 95% من موظفيها حالياً عن بُعد أعلنت قبل فترة قصيرة أن العاملين لديها سيستمرون في غالبيتهم بالعمل من منازلهم حتى نهاية السنة الحالية.

وان ما ينطبق على فيسبوك ينطبق على الكثير من المنشآت بمختلف احجامها الكبيرة والصغيرة والمتوسطة  منها على وجه الخصوص، وذلك بعد اضطرارها الى التعطيل ولزوم العاملين فيها المنازل وترك امكنة العمل مما الزم تلك المنشآت في العمل عن بعد نظرا لامكانية تسيير الأعمال من خلال التواصل عبر تقنيات الاتصال الجديدة والمتطورة.

ان الفترة الرمادية التي نعيشها قبل التعافي من فيروس كوفيد-19 ستجعل العمل عن بعد سمة اساسية من سمات المستقبل في المنشآت الصغيرة والمتوسطة و ستترك في نفوسنا خشية دائمة من الاوبئة المستقبلية وتأثيرها على سير الأعمال.



  • المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بعد التخلص من جائحة كورونا

مرحلة ما بعد كورونا:

وهي المرحلة البيضاء التي تكون فيها البشرية قد تخلصت من جائحة كورونا وهي مرحلة التعافي التام على الصعيد الصحي لكنها بالتأكيد ليست مرحلة التعافي الاقتصادي إنما هي بداية رحلة التخلص من الانكماش والركود الكبير والبطالة الواسعة الذين تسبب فيها وجود كوفيد -19 وتحكمه على مدى أشهر عديدة في مفاصل النشاط الاقتصادي خاصة نمو ونشاط ودورة الإنتاج في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

 اتجاهات الاستثمار بعد كورونا

 جائحة كورونا اغلقت ابوابا كثيرة  وفتحت المجال أمام استثمارات ومشاريع جديدة وخلقت تهديدات كثيرة  واوجدت فرصا كبيرة  وغيرت عادات ومفاهيم و سياسات مالية ونقدية واقتصادية ، 

تصدرت أمازون عناوين الأخبار في منتصف شهر أبريل بوصفها أحد أبرز الرابحين من أزمة فيروس كورونا؛ بعد تدفق الزبائن إلى مواقعها ليصرفوا على عمليات الشراء منها ما يقدر، حسب تقارير، بنحو 11 الف دولار في الثانية الواحدة هذا الامر ادى الى ارتفاع أسهم شركة أمازون إلى مستوى قياسي في أعقاب ذلك.

من المتوقع ان تتحرر المجتمعات من طرق وآليات التعليم التقليدي الموجود في معظم دول العالم، وهذا سيصاحبه تغيير في مفهوم بناء المؤسسات والمدارس والمستشفيات ومن المنتظر أن تستثمر المنشآت المتوسطة حول العالم في قطاع التعليم  الرقمي الخاص ذلك بالنظر إلى أدائه القويّ خلال الأزمة، وهذا بدوره ينبغي أن يوضح كيف يمكن تحقيق الابتكار الواسع النطاق في التعليم العام بتكلفة فعَّالة.

وعندما ترفع القيود المتعلِّقة بهذه الجائحة كالتنقُّل هذا سيؤثر على التوزيع الجغرافي لمشاريع التجزئة  للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتركزها في مناطق الكثافة السكانية وارتفاع نسبة الاستهلاك، وأن تكريس الذات الذي أوحت به جائحة كورونا سيدفع المنشآت الصغيرة والمتوسطة بعد الجائحة الى الاستثمار في قطاعات أساسية مثل التموين والطاقة والزراعة.

وسيستمر تحول المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى الخدمات الماليّة الإلكترونية، التي كانت قد انتشرت بالفعل على نطاقٍ واسعٍ في العالم قبل الجائحة.

يقول رئيس "بنك باركليز في المملكة المتحدة " إن "فكرة زجّ سبعة آلاف موظف في مبنى واحد قد تصبح في طيات الماضي "، في حين قال رئيس بنك "مورغان ستانلي" إنه سيكون لدى البنك نسبة عقارات أقل بكثير.

وقال رجل الأعمال السير مارتن سوريل، إنه يفضل استثمار 35 مليون جنيه إسترليني في توظيف الناس وتطوير مهاراتهم بدلاً من الاستثمار في مباني المكاتب وتجهيزاتها المكلفة.

ويرى بروس ديزلي، مؤلف كتاب "بهجة العمل"، إن زمن العمل في المكاتب قد ولّى.



طبيعة المرحلة

وبالتالي يجب أخذ كل ذلك بعين الاعتبار عند عودة النشاط الاقتصادي عموما والنشاط داخل المنشآت الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص ووضع كل ذلك  في تصورنا عند تقييمنا للاخطار المختلفة التي تتعرض لها تلك المنشآت واتخاذ كل اجراءات التحوط  واتباع خطوات مناسبة في طريقة العمل داخل المنشآت بما يستوعب ويستجيب لهذا النوع من الاخطار،واهم الخطوات على هذا الصعيد هي سن التشريعات القانونية التي تنظم العمل عن بعد الذي سبق وتمرس به الجميع في مرحلة تفشي الوباء وفي مرحلة التكيف معه واستيعابه، وتوفير البنية التحتية اللازمة التي تضمن سلامة العمل و استمراره وديمومته و كفاءته وفعاليته والعمل على توفير الكادر الفني من خلال تدريب العاملين الجدد على العمل عن بعد بما يضمن اتقانه وسهولة استخدامه في تسيير عمل المنشآت. ومن المفيد الاستفادة من المعلومات  المتوافرة على محركات البحث للتعرف من خلال "منصات التعاون عن بعد للشركات الصغيرة والمتوسطة " على الأدوات والتقنيات المتوفرة للموظفين، والتي تسمح لهم بالعمل معاً في ذات الوقت ومن دون الحاجة للتواصل جسديا.

إن استعمال الإنترنت حالياً قد انتشر بشكل واسع، وسيتطور مع تطور الجيل الخامس في المدى القريب جدا. وباتت معظم  الشركات والمؤسسات، تستخدم الوسائل الالكترونية في معاملاتها التجارية، فإن العمل عن بعد أصبح بعد جائحة كورونا منتشرا بشكل كامل بسبب الحجر المنزلي، ومن المتوقع أن تصبح مرجعية للعمل في المستقبل لقلة تكلفتها وكفاءتها، ويتوقع أن تحدث ثورة وتغييرا جذريا في عالم الاعمال .ان العمل عن بعد سيؤدي إلى تقليل التنقل، عبر وسائل النقل الخاصة والعامة، وسيُعيد توزيع ساعات العمل، بين الليل والنهار، ويُغير بشكل كبير، نوعية العلاقات الاجتماعية  وبذلك يكون كوفيد-19 قد دفع باتجاه بلورة هذه الوسيلة الجديدة، ودفعها إلى الأمام.
إن تجربة العمل عن بُعد،  التي ستشمل كل القطاعات، ستؤدي أيضاً، إلى إعادة توزيع العمل على مستوى العالم، فالعمل عن بُعد لا يحتاج أن يكون جميع العمال، متواجدين في المنطقة أو البلد نفسه.

 


 

  • استشراف المستقبل

أن انتشار الفيروس سيترك آثارا سلبية في القطاع الخاص خاصة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتبر الحلقة الأضعف في مواجهة تداعيات تفشي الفيروس، الأمر الذي يفرض على هذا القطاع ضرورة الاستعداد لمواجهة تلك الآثار وتحويلها إلى فرص لمواصلة أداء دوره الاقتصادي، وحري بنا الاستفادة من تجربة كورونا لنحولها من تهديد الى فرصة باعادة صياغة مفاهيمنا في الكثير من الامور اذ ان تداعيات هذه الجائحة تتعدى الجانب الصحي لتصل إلى عمق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية والثقافية، ولعل أبرز ما نتعلمه فيما يخص المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو الاعتماد على الذات واستغلال الإمكانيات الداخلية الى اقصى الحدود والتركيز على المشاريع المنتجة واعادة تقييم النفقات و التحسب للمستقبل من خلال الاستثمار بالتطور التكنولوجي والمعرفي واعتماد وسائل التجارة الالكترونية وإتقان العمل عن بعد والاستخدام المتفاعل لوسائل التواصل الاجتماعي المتعددة فالعالم بمقدار تباعده بسبب كوفيد-19 فانه متقارب أكثر مما نتصور مع تطبيقات الجيل الخامس للإنترنت.

إن الآثار التي ستخلفها الأزمة ستخلق - كغيرها من أزمات - فرصا عدة لكافة الأنشطة و المؤسسات، سيتمكن من اقتناصها البعض ممن يؤمنون بالتغيير و التطور و التعايش مع الجديد، فالعمل عن بعد والإقبال على إدخال و الاستثمار في الخدمات الالكترونية و تطويرها و الاهتمام الكبير بخدمة العملاء و الاستثمار بتنمية الموارد البشرية العاملة و الخبرات الفنية المتخصصة ستكون بلا ادنى شك السمة المسيطرة على المشهد الاقتصادي العام خلال السنوات المقبلة، ننصح بشكل كبير اقتناص هذه المبادئ على شكل فرص استثمار حقيقية اليوم لتتمكن المؤسسات من العبور والانتقال الى مرحلة ما بعد الجائحة.

 

 

 


 -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

المراجع

  1. جمال بنون.2020."لماذا تدعم حكومات الخليج المنشآت الصغيرة والمتوسطة".
  2. منظمة الصحة العالمية.
  3. كينيث كانغ وتشانغ يونغ ريز.نيسان 2020.ا"امداد المؤسسات الصغيرة بشريان حياة."صندوق النقد الدولي.
  4. دبي - الخليج أونلاين.ابريل 2020."دبي تتجه لركود بنحو5.5% واستحقاقات ديون ب 10 مليارات دولار".
  5. واشنطن - الخليج أونلاين.ابريل 2020."زوكربيرك:ان نصف العاملين في فيسبوك سيعملون عن بعد بشكل دائم.اخترنا لكم".
  6. رفيق عبد السلام.ابريل2020."عالم ما بعد كورونا الى اين".مرصد ومدونات عمران.
  7. بي بي سي نيوز.ابريل 2020. "فيروس كورونا "كيف اثر الوباء على صناعة الاغذية في العالمBBC.COM"".
  8. بي بي سي نيوز.مايو 2020. "فيروس كورونا: من ربح الملايين ومن خسر في أزمة الوباء".BBC.COM.
  9. فرانسيسكا جيليت .مايو "2020 فيروس كورونا: هل انتهى عصر العمل في المكاتب؟"BBC.COM.