طالعتنا صحيفة القبس الالكترونية بخبر تخفيض تصنيف الكويت الائتماني حيث ذكرت: "صنّفت وكالة ستاندرد آند بورز النظرة المستقبلية للكويت عند سلبية"، و وفقاً لـ «رويترز»، ان النظرة المستقبلية للكويت جرى تعديلها إلى سلبية بسبب استمرار تضاؤل مصدة السيولة المالية والتصنيفات حيث بلغ التصنيف عند «AA-/A-1+»K.
هذا الخبر طرح تساؤلا عن مدى أهمية التصنيف الائتماني للدول، خاصة لدى السياسيين و العامة من غير المتخصصين في هذ المجال و لذلك قمنا بإعداد تقرير مبسط يشرح المفهوم و أهميته و بعده التاريخي و الفني و انعكاسه على الدولة.
ما هو التصنيف الائتماني ومدى أهميته؟
يسمى أيضا درجة الملاءمة أو الجدارة المالية وهو تحليل أو تقدير تقوم به بعض الجهات المتخصصة لمعرفة قدرة طرف معين على الاقتراض وسداده للدين. عادة ما تقوم وكالات التصنيف الائتماني بهذا التحليل لمعرفة القدرة والرغبة في تسديد الديون في وقت محدد، يتم ذلك عبر دراسة إمكانيات الشركة او الدولة ومدى ملاءته المالية على سداد القروض حاليا اخذا بعين الاعتبار المحطات التاريخية للسجل المالي للدولة او الشركة وطريقة تعاملها مع الديون السابقة، ويلجأ المستثمر الى التصنيف الائتماني لقياس مستوى المخاطر المالية وقدرة المدين على الوفاء بالتزاماته المالية وذلك لاتخاذ قرار الاستثمار.
ان كانت درجة التصنيف منخفضة فهذا يعني ان هناك صعوبة لدى الجهة المقترضة في سداد الدين وبالتالي من المرجح ان يشترط الدائن على فائدة أكبر لقبول طلب الاستدانة او رفضه.
كيف نشأت التصنيفات الائتمانية؟
نشأت أهمية التصنيف من حاجة المستثمرين والمقترضين لحل أزمة المعلومات الموجودة بينهم، وهو ما دفع إلى تأسيس شركات خدمات المعلومات الائتمانية في منتصف القرن التاسع عشر و في عام 1929 تأسست وكالة موديز Moody`s و التي تعد من أهم وكالات التصنيف الائتماني في العالم و التي قامت بأول تصنيف لحكومات تصدر سندات اقتراض دوليا، يأتي بعدها في أهمية التصنيف كلا من: وكالة ستاندرد أند بوز، و وكالة فيتش.
وتسيطر كل من "ستاندرد آند بورز" و"موديز" على تصنيف أكثر من 80 % من إصدارات الدين حول العالم سواء للشركات أو الحكومات أو البلديات والحكومات المحلية فيما تعد "فيتش" أقل سمعة نسبيا، مقارنة بالشركتين الأخريين. وبالعموم، فإن الشركات الثلاث تسيطر على ما يراوح بين 90 و95 % من سوق إصدار الديون في العالم.
وتعود سيطرة هذه الشركات الثلاث إلى قرار أصدرته هيئة الأوراق المالية الأمريكية في عام 1975 باعتبار هذه الشركات كشركات معتمدة من قبلها، حيث إن كثيرا من المؤسسات المالية وشركات التأمين لا تستثمر إلا في سندات ذات تصنيف عال، فإن أسهل طريقة من قبل المصدرين للسندات لإثبات جدارتهم الائتمانية هو أن يحصلوا على تصنيف ائتماني من شركة أو اثنتين من هذه الشركات الثلاث لتصبح هذه الشركات الثلاث أشبه بمؤسسات محتكرة للتصنيفات الائتمانية حول العالم، وتستعمل وكالات التصنيف رموزا لوصف الجدارة الائتمانية تبدأ من AAA كأعلى تصنيف ائتماني نزولا للتصنيفات الأقل جدارة عبر الحروف AA و A و BBB وهكذا
كيف يؤثر التصنيف الائتماني على الدول؟
يخدم التصنيف الائتماني المرتفع أي دولة ترغب في الاقتراض من الخارج لأن تصنيفها يعكس قدرتها على سداد هذا الدين، وكلما ارتفع التصنيف الائتماني كلما انخفضت تكلفة الإقراض، لذلك فإن التصنيف الائتماني يعكس مدة قدرة أي دولة على تحمل تكاليف الديون، فوكالات التصنيف الائتماني تساعد على تقييم السعر العادل لعقود الديون مثل سندات الخزانة، كما أن التقييم الذي تمنحه أي مؤسسة لدولة يظل مرجعاً داخل الإحصاءات أو التحليل الكمي أو الاستناد عليه عند تقييم الظروف الاقتصادية العامة والتغييرات التنظيمية والاضطرابات السياسية، كما يرافق تقييم أي دولة توقعات حول أدائها المستقبلي ففي حالة أن كانت النظرة سلبية فمعنى ذلك أن الوكالة تراقب عن كثب أداء تلك الدولة لتقديم تقييم شامل لها.
كيف سيتأثر اقتصاد الكويت من كل ذلك؟
التأثير سيكون على كافة أوجه الاقتصاد الكمي والجزئي وان كان بشكل غير مباشر وفي فترات متباعدة ولكن يكمن التأثير الأكبر على مدى قدرة الدولة في تلبية التزاماتها المتعددة في ظل تصنيفات ائتمانية أقل من السابق، يأتي هذا كله جراء عدم وجود مصدات مالية كافية لامتصاص الأزمات التي تواجه مالية الدولة ،هذا سيشكل تكلفة أكبر على المال العام والميزانية العامة والتي تتأثر بشكل كبير في الوقت الحالي جراء عدة أزمات متعددة في ذات الوقت.
أزمة انخفاض أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا أدت الى شح كبير في سيولة الاحتياطي العام حسب تصريحات المسؤولين وبذلك فان حل الاستدانة هو الخيار الأقل تكلفة – ان لم يكن الأوحد - حسب وجهة نظر المختصين وبانخفاض التقييم ستكون هذه الاستدانة بتكلفة أكبر.
من المهم جدا مواجهة الازمات المالية للدول بهندسة تمويلية و مالية واضحة وجريئة، تعترف بالمخاطر وتواجهها بشكل مباشر دون أي تأجيل، فقد شاهدنا عبر التاريخ عدة دروس موثقة بأن أكبر الاخطار المالية تأتي نتيجة تأجيل المشكلة عن طريق حلول مؤقتة لا تعالج المشكلة بل قد تعقدها، ونعتقد أن المسؤولية السياسية والتاريخية اليوم تحتم على متخذ القرار في الكويت مواجهة المشاكل المالية بشكل مباشر دون أي تأجيل.
.